في صالة البيت نجتمع كعائلة صغيرة ونشكل حلقة دائرية على المأدبة، في اليوم
مرتين، على الغداء وعلى العشاء، والتلفاز مسمّر على الجدار ، لتلتهي أعييننا بما
يعرضه، ولأن هذه الأيام تحتفل السلطنة
بالعيد الوطني المجيد فجل ما يعرض على شاشة تلفزيون سلطنة عمان
مختص بهذه المناسبة.
ليست مهمة هذه التفاصيل وإنما أوردها لتوضيح مناسبة موضوع هذا المقالة، وهي
السؤال الذي باغتنا به شقيقي الصغير في تلك اللحظة : لماذا نحتفل بالعيد الوطني؟
أولا: من العرف الدوليّ أن لكل دولة أعيادها ومناسباتها الخاصة بها، وأهم تلك
المناسبات التي تشترك فيه جميع الدول هو "العيد الوطني" أو اليوم
الوطني-إذا ما أخذنا الترجمة الإنجليزية للناشونال داي، ومن مظاهر الاحتفال بهذه
المناسبة بدول العالم أن تكون هناك إجازة رسمية. وتتزامن ببرامج وفقرات تشترك
أغلبها أيضا في "العرض العسكري".
ثانيا: يتم تحديد تاريخ العيد الوطني لكل دولة لمناسبة ما، العدد الأكبر من دول
العالم حددت تاريخ يومها الوطني بتاريخ الاستقلال، بينما عدد منها حددته لمناسبات
اخرى، فالسلطنة عمان مثلا حددت يومها الوطني بتاريخ ميلاد جلالة السلطان قابوس وهو
(18 نوفمبر)، بينما تحتفل بيوم النهضة بتاريخ (23 يوليو)، السلطنة تشترك في ذلك مع
عدد من الدول الشهيرة وجميعها تجتمع في "النظام الملكي"، فبريطانيا وإيرلندا
الشمالية تحتفل بعيدها الوطني بتاريخ ميلاد الملكة، واليابان تحتفل بعيدها الوطني
أيضا بيوم ميلاد الملك، وكذلك الدنمارك وهولندا وتايلند. وجميع هذه الدول
"ملكية".
ثالثا: سبب تحديد تاريخ العيد الوطني للدول وإن كان ذا أهمية كبيرة إلا أن الاحتفال
لا يتم على أساس الحدث وإنما يبقى كـ"تاريخ" لموعد الاحتفال، فمثلا
للدول التي حددت تاريخ احتفالها بحادثة الاستقلال أو قيام الدولة أو مولد الملك أو
غيره، هي لا تحتفل بالحدث بحد ذاته وإنما تحتفل لأنه تم
تحديد هذا التاريخ كيوم وطني، وعليه يكون الاحتفال، وبرامجه لا تكون بالضرورة
مرتبطة بسبب تحديد اليوم. وأنوه بأن هذا لا يقلل من أهمية الحدث التاريخي نفسه.
رابعا: الاحتفال بالعيد الوطني هي مناسبة ظاهرها الفرحة والبهجة وباطنها العمل
الجاد والاجتهاد طوال أيام السنة من قبل الوحدات الحكومية بصفة "خاصة"،
والقطاع الخاص بصفة "عامة" من أجل أن يجدوا ما يفاخرون به في هذا اليوم،
فتجد المؤسسات تصدر بيانات وإحصائيات بأبرز منجزاتها وما قامت به خلال العام
لتتحدث عنه بشيء من الفخر في هذا اليوم، لذا نشاهد كثير من المشاريع تفتتح تزامنا
مع هذا اليوم، وربما البعض يعتبره سببا
غير كافئ لكن في أقل الأحوال هو دافع ومحفز للعمل بأكبر جهد لهذا المؤسسات-وإن اختلفنا
في جودة إنتاج بعض منها. وربما يرى البعض أيضا بأن بعض المؤسسات أو البرامج
المتلفزة والإذاعية تسهب بسرد ما مضى قبل عدة أعوام، بينما كان من الأنسب الحديث
عن ما تحقق خلال العام نفسه، أي ما تم انجازه من أخر عيد وطني ولمدة سنة.
خامسا: من أهم أسباب الاحتفال بالعيد الوطني-من وجهة نظري- هو تعزيز الروح
الوطنية لدى المواطنين، وغرس حب الوطن والتضحية من اجله، هذا أمر مهم جدا بالنسبة
لأي دولة في العالم، فالمواطن الذي لا يحمل شيء من الود والحنين والحب لموطنه لا
أعتقد بأن تصرفاته ستكون صالحة تجاه وطنه، وعلى سبيل المثال لا سمح الله وحدث أمر
يستدعي الدفاع عن الوطن بحمل السلاح، فإذا كان الشخص لا يحمل في قلبه ذلك الحب
والود فلا أعتقد بأنه سيرى مبررا كافيا للدفاع عن وطنه. أما مسألة الاختلاف في
مستوى جودة ما تقدمه بعض المؤسسات الخدمية فهي مسألة نسبية وفيها أخذ وعطا ولا
علاقة لها بمقياس الوطنية، واختلاف وجهات النظر هو أمر مثري وإيجابي ودافع لتصحيح
الأخطاء.
كانت هذا ردي على سؤال أخي أنقله لكم مع بعض التصرف. ودمتم بود.