من المسلّم به أن انخفاض أسعار النفط له
تداعيات سلبية على الاقتصاد كوننا دولة مصدرة للنفط، في مقابل تعتبر هذه الأزمة
بمثابة النعمة للدول المستوردة، لكن هل
يمكن أن ننظر لهذه الأزمة بنظرة إيجابية كدولة خليجية؟!
باعتقادي نعم، فكما يقال
"من رحم المعاناة يولد الأمل أو الإبداع"، قد تتساءل: على أي أساس اعتبرت هذه
الأزمة إيجابية؟!
أولا: منذ عقود تقول الحكومة بأنها تسعى لتنويع
مصادر الدخل، والواقع يقول بأن ذلك سار بشكل بطئ جدا على أقل تقدير، والسبب أنها
لم توضع في موضع الاختبار الحقيقي، فارتفاع أسعار النفط الذي يغطي عجز الميزانية
بكل سهولة بل نخرج سنويا بفائض بالميزانية بمئات الملايين، هذا الأمر لم يخلق دافع
قوي للحكومة للتحرك بجدية، أما الآن فقد وضع الحكومة والشعب وجميع مكونات المجتمع
موضع الاختبار، وأدرك الجميع معنى ان يكون هناك تنوع حقيقي في مصادر الدخل، وأن
النفط يسير نحو الزوال، وأن لا مأمن من جدى استخراجه إذا استمر سعره في الانخفاض،
كل ذلك يخلق دافع قوي جدا للتنفيذ وليس للتفكير فقط، لإيجاد مصرد دخل آخر.
ثانيا: قد يقول قائل بأن أزمة انخفاض النفط ليس
بجديدة، فقد حدثت سابقا، وأعتقد بأن الوضع الآن مختلف كليا عما سبق، ميزانية
الدولة تضاعفت في حين أن انتاج النفط لم يتضاعف، شهد زيادة لكن ليست بالزيادة
الكبيرة، في حين أن مصروفات الدولة زادت، أصبح لديها عدة تحديات، منها التوظيف،
والتعليم المدرسي والعالي والصحة، وسط ذلك حدث أمر مهم، فالوعي المجتمعي مختلف
تماما عما كان سابق، أصبح كل شخص يمكن أن يدلي بدله وبرأيه في هذه الأزمة وهو متكأ
على أريكته في منزله بفضل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا أيضا يشكل نوع
من الضغط على المسؤولين للتحرك بجدية لحل الأزمة بطرق علمية حتى يخففوا من حدة الانتقادات
الموجهة إليهم.
ثالثا: في مجال القيمة المضافة للنفط أو الصناعات
التحويلية الجانبية لمصافي النفط، ومنها مصانع البتروكيماويات، ومصانع بولي بروبلين
ومصانع البلاستيك وغيرها، فإن هذا الانخفاض في صالحها أيضا، سعر خام النفط أقل
بكثير عما كان عليه، بالتالي ستكون تكلفة الإنتاج أقل مقابل فائدة التصنيع أكبر
وخاصة أنها تعتمد على تصدير منتجاتها.
رابعا: الحرص على ترشيد الإنفاق وإيجاد حلول وبدائل
لسد العجز هو تدريب عملي مفيد على المدى البعيد لترتيب الأولويات، مفيد لأنه سيذكر
المسؤولين بأمور مهمة، مصروفات تعتبر سابقا من النثريات البسيطة العادي، لكن لو
توقفت كانت الفائدة أكبر وهي توفير مبالغ ضخمة، فمثلا سحب سيارات المسؤولين
المخصصة للزيارات الميدانية سيوفر مبالغ البنزين والتأمين والصيانة والتبديل
وعلاوة السائق وعلاوة الزيارة الميدانية وغيرها من الامور المرتبطة بها، رغم أن
هذا سابقا يعتبر شيء لا يذكر وسط الإنفاق الضخم في أمور أخرى. الاستفادة الاكبر
ستكون أن تقطع مثل هذه المصروفات نهائيا حتى لو ارتفع سعر النفط الخام، لأنه سيوفر
مبلغ يمكن الاستفادة من في أمر أهم. وهذا درس في ترتيب الأولويات.