شاء القدر أن أكون برفقة أربعة أشخاص أحدهم
زميل لي وثلاثة بالكاد أتذكر ملامحهم ونحن في طريقنا لتقديم واجب العزاء بوفاة
زميل دراسة قضى نحبه في حادث سير أليم، لم تمر دقائق كثيرة من مناشدة الأخبار
والعلوم حتى تحول حديث الطريق عن الزواج ، فتعمق النفر الثلاثة في ليلة الدخلة حتى
ذاب الجليد نهائيا وارتفعت سخونة اللسان فغاص كل منهم في الحديث عن مواقفه
وبطولاته وغزواته الشخصية وبأسلوب مسرحيّ لا يخلوا من الإثارة والتشويق!
الأول يبدأ بوصف دقيق لفتاة تدرس معهم في
الكلية كانت تنظر له بنظرات إعجاب- حسب قوله؛ وأعتقد بأنه كان يحمل معه أداة مكبرة
ومزودة ببرنامج ثلاثي الأبعاد لتكبير الأشياء المرئية خمسين مرة مقارنة بنظر العين
المجردة، ومن جميع الجهات أيضا، وفي النهاية يقول: "ما عطيتها فيس" !!
كل هذا وما معطنها وجه!! حسبي الله ونعم الوكيل.
الثاني فجّر قنبلة لا تقل ثقلا عن قنابل
أفلام بولويود الهندية لكن بنكهة عمانية؛ يقول: وبينما كنت أسير في ممر الكلية إذ اعترضتني فتاتين الأولى شكلها..(وصف
بالمجهر الدقيق) والثانية.. (وصف دقيق)، فحاولت أن انفلت منهن ولم استطع، وزملائنا
الطلبة والطالبات يشاهدون الموقف وأن أحس بإحراج شديد، فقلت ماذا تريدن فقالت
إحداهن: لم أنت مرتبك نحن فقط نريد أن نتعرف عليك، فقلت لهن هذا المكان غير مناسب
فلندخل في قاعة التدريس القريبة منا وكانت خالية.. (جزء من النص مفقود) !!
الثالث لم يرضى بأن يكون أقل منهم فذرّ علينا
مما حضره من الذكريات أو ربما الخيال الرومانسي، ومما قاله بأن فتاة كانت تحاول إغواءه
وذلك عندما تمشي في ممر الكلية كانت تتعمد أن تضغط على عباءتها لتغريه!، واسترسل
في سرد قصص لا أعلم إن كان في وعيه أو في حلم اليقظة!
مثل هؤلاء الكثير قد مروا عليّ وأغلبهم طلاب
في كليات وجامعات خاصة وحكومية، لا أدري على أي مقياس بنوا رأيهم واستنتاجاتهم بأن
فلانة كانت متعمدة إغواءه!؟ وأن فلانة تقوم بأفعال غير أخلاقية وأن فلانة كذا وكذا
وأنها مع فلان بكذا وأخبرني فلان بأن فلانة كذا وكذا!!
لن أقول ماذا تركتم للمعصرات، فحاشا المعصرات
وسوالفهن عن مثل هؤلاء، فأي رجولة تبيح لك أن تتحدث عن أعراض ناس وتقدح في فتياتهم
وكل ذلك نتيجة استنتاج خيالي بعد أن نظرة له بنظرة سواء "إعجاب" أو نظرة
"استحمار واستحقار"، وحتى وان كانت بعض قصص العلاقات الثنائية صحيحة فما
الداعي لأن تتفاخر بتلك الخصوصيات أمام الآخرين حتى وأن كانوا اصدقائك فما بالك
بالغرباء.
في علم الاجتماع يمكن تصنيف هذه الفئة من
الشباب تحت تصنيفات محددة تأتي ضمن ما نسميه محليا "المنتزق"، وتتعمق
هذه الحالة عند المراهقين الذين لم يتلقوا رعاية عاطفية سليمة بسبب ثقافة التربية الاجتماعية
الجافة بما يكفي لأن تحصنهم ضد مرض "النزقة". وتشتد هذه الحالة عند القادمين من المناطق النائية نحو المدينة.