السبت، 29 أبريل 2017

من لندن... "وإذا خاصم فجر"





جاء في الحديث الشريف عن علامات المنافق :"وإذا خاصم فجَرَ"، وفسّر الحافظ ابن رجب هذا الحديث بقوله " يعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمداً حتى يصيّر الحق باطلاً والباطل حقاً، وهذا مما يدعو إليه الكذب"، وفي الشرع الفاجر هو المرتكب للمعاصي، وفي المعجم فجَرَ أي حاد عن الحق فظلم نفسه، ولأن الفجور صفة ذميمة فقد حذّر أهل العلم من مماشاتهم، وورد لإبن المقفع صاحب (كليلة ودمنة) قوله: "إجتنب أهل الفجور وإن كانوا ذوي قرابتك". وفي المعنى العام هو الشخص الذي ينقلب على أحد معارفه أو اصدقائه لمجرد حدوث خلاف فيحوّل ذلك لخِصام، ولا يكتفي لذلك الحد بل يتقّوّل على خصمه بكلام غير صحيح ويحاول جاهداً أن يؤذيه بتشويه صورته لدى الناس ونشر الشائعات عنه والطعن حتى في شرفه، وقد يصل لأبعد من ذلك لحدٍ كبير، ولهذا وصِف بالفجور في الخصام.

في حياتنا الإجتماعية قد نصادف الكثير من أمثلة الخِصام والقليل جداً منه ما يصل لحد "فجور الخِصام"، وهذه طبائع في المجتمعات البشرية، فالخلافات بين الأشخاص مستمرة منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، وفجور الخصام-رغم قلته- يحدث بين فرد وآخر، لكن أن يخاصم "مواطن" وطنه وأرضه وبلاده فهذه من النوادر العجيبة والغريبه، والأغرب من ذلك أن يصل ذلك الخصام لحد الفجور على الوطن، نعم يحدث أن نختلف مع المسؤولين والوزراء، ويحدث أن ننقد ونَنتقد ونُنُتقد، ويحدث أن نشتكي ويُشكى علينا، ونغضب ويُغضب علينا، ويحدث أن نمثُل أمام المحكمة لسببٍ أو لآخر، ويحدث الكثير والكثير، لكن ما لا يمكن حدوثه أن نهجر وطننا وننادي من الخارج بتقسيمه؛ ونثُير النعرات المذهبية والفتنة الطائفية، ونتعدى على المكون الإجتماعي فيه، ونشر الأكاذيب والأخبار الملفقة، وغيرها من الأفعال التي تندرج تحت "الفجور في الخصام" بل أشد من ذلك، وللأسف ما كنّا نعتقد أنه من المستحيل أن يحدث قد حدث فعلاً، ومن مواطن عماني رمى نفسه في حضن منظمات تدعي أنها منظمات حقوق الإنسان، ثم كفر بالوطن وفجَرَ به ونعق بتقسيمه.

هناك آخرون ممن يقولوا بأنهم من دُعاة حقوق الإنسان، وأي مواطن عماني قد يتفق معهم في بعض الآراء ويختلف معهم في آخرى، لكن لن تجد أيً من أبناء عمان الكرام من أقصى ضلكوت وحتى جزر بنات سلامة بخصب من يرضى بإثارة الفتنة المذهبية وتقسيم الوطن ونشر الأكاذيب عنه، فوحدة الوطن خط أحمر، بل سداً أحمر لا يمكن المساس به، وستبقى عمان للأبد شامخة كشموخ سمحان والجبل الأخضر.

حكاية نفر 29أبريل2017م





الأربعاء، 19 أبريل 2017

"اللندنوين" والشخصيات "السيكوباتية"






يقول علماء النفس بأن هناك شخصيات في المجتمع تعاني من اضطراب نفسي قد يبدوا "غامضاً" بعض الشيء، واطلقوا عليهم اسم "السيكوباتيين"، وقدروا عددهم في بعض المجتمعات إلى (1%) أو أقل.

والسيكوباتية هي الشخصية المعتلة نفسيا وتتسم بعدم النضج الانفعالي، ويؤدي لانحراف الفرد عن السلوك السويّ أو السلوك المضاد للمجتمع، وذلك نتيجة إختلال في التربية والبيئة الإجتماعية التي نشأ فيها الفرد منذ نعومة اظافره. ورغم اختلاف بعض السلوكيات من "سيكوباتي" إلى آخر إلا أنهم جميعا "يصدر عنهم من السلوك ما يمثل خرقاً للقانون السائد في المجتمع".

  ولعل من أبرز العلماء الذين تحدثوا عن السيكوباتية هو العالم "كلسكي"، حيث وضع عدد (16) سمة تميز المصابين بهذا الاعتلال النفسي، ومن أبرز تلك السمات "سلوك مضاد للمجتمع"، وتمركز مرضي حول الذات وعجز الحب، وسلوك نرجسي مع الإنغماس في الشرب، والفشل في اتباع أي خطة لحياته، وغياب الضمير والخجل، وعدم الصدق وعدم الإخلاص، وأضاف آخرون بأن هذه الشخصية تجيد الكذب والتلاعب بالمشاعر، وقد تنقلب بشكل مفاجئ حتى لأقرب الناس إليها، ودائما ما يشيرون لأصابع الاتهام للآخرين لأي خطأ قد وقع حتى لو كان بسببهم. ومن الملفت في صفات السيكوباتيين أنهم يجيدون التعبير اللفظي عن للإنفعال الغير حقيقي، أي أنهم يمكنهم التعبير عن شعور أو حدث غير واقعي لكن بفضل قدرتهم في التعبير قد يبدو حقيقياً للآخرين.

ومن غير المفاجئ أن صفات "السيكوباتية" تنطبق تماماً على عدد من الحقوقيين العمانيين "طالبيء اللجوء" في بريطانيا ووغيرها، وخاصة الشخص الذي ينادي بإنفصال ظفار، وهو ذاته من وصف إحدى القبائل العمانية بـ"المرتزقة"، فتجده كثيرا ما يروي قصصا ويختلق أخبارا غير واقعية وغير صحيحة، لكن يتحدث بها وكأنها حقيقية، بجانب محاولاته للتلاعب بالمشاعر واستعطاف القراء، وفجأة يكشف الوجه الحقيقي له ويتحدث بنرجسية وبلغة "الأنا" و"الطائفية" ويظهر تعصبه المذهبي بل ويتطاول على باقي المذاهب، وكل ذلك لأنه فشل في تكوين حياته كما ينبغي، وتجسدت أنانيته في هجر أولاده وعائلته من أجل تحقيق "وهم الشهرة" والمال.

وما يؤكد ذلك تطابق صفات الشخص "اللندني" مع تصنيف "بولز" للسيكوباتيين، حيث صنفهم إلى سيكوباتي الخارج، والمتجول، والتعب القلق والانفجاري والمتشائم الإكتئابي، فالسيكوباتي الخارج يشعر بعدم الأمان داخل نفسه ويترجمه السلوك الغريب الذي يقوم به، والمتجول لأنه لا يمكن المكوث في مكان واحد ويجد الرغبة في التنقل مع مكان لآخر بدون سبب معقول لهذا التنقل، وكذلك المتعب القلق الذي يترجمه جنون العظمة الذي يعيش فيه.

إن ارتفاع الأصوات الشاذة عن العرف العام بالمجتمع والقانون والشريعة قد يدعوك للتمعن فيها بقصد فهمها، وهذا التمعن يقودك لأن تدرك الحقيقة كما هي، فما من شذوذ إلا بسبب، والسؤال المهم هنا: هل يوجد علاج لمثل هؤلاء المرضى السيكوباتيين؟، -حسب ما نشر من تحليلات ومقالات طبية عن هذا المرض فإن العلاج ممكن لكن بدايته تكمن في الرغبة الحقيقة للمريض في العلاج.



 



الأحد، 16 أبريل 2017

عمان : قوة الفضيلة.. مقال للكاتب معاوية الرواحي

مقال أعجبني، وأنا أتصفح موقع جريدة الرؤية العمانية لفت نظري مقال جميل ومفيد للكاتب الجميل أيضاً معاوية الرواحي، المقال بعنوان " عمان : قوة الفضيلة" ونُشر بتاريخ 5 يوليو 2016م، فرأيت من المناسب أن أطرحه هنا -في هذه المدونة، للإستفادة منه. 



بقلم: معاوية الراوحي
عندما يتعلق الأمر بالوطن تنزلُ الأقلامُ وتَحْبَرُّ الصحف. وكل صاحب قلمٍ يقفُ موقفا هائلا أمام فكرة سامية مثل المسؤولية الوطنية، وللأقلام مثل أصحابها شؤون، شيمتها الاختلاف، وصفتها التباين، وسمتها عدم الاتفاق على محورٍ واحد، هذه طبيعة بشرية من المحالِ أن تخرجَ عن الطبعِ مهما حاولَ التطبّع.

ولا بد في هذا السياق أن نضع القليل من النقاط على الكثير من الحروف، فالوطنُ يمتلك صفة الديمومة، ويجمع كل شيء، الماضي والحاضر والقادم، يجمع الأحياء والأموات، ويجمع التاريخ والمستقبل، كذلكَ ومن صفات أي وطن وجود دولة تعبر عن كيانه ووجوده وتكتسب قوتها منه، كما يستمد الوطن أسباب بقائه منها، وهذه الدولة من ضمن أجزائها حكومة. للدولة صفة السيرورة الآنية، أي أنها تسير في خطٍّ زمنيٍّ متعلق بمن هو على قيد الحياة، وسيرا في نفس السياق تأتي النقاط الأخيرة لنضعها على كلمة [الحكومة] فالحكومة يد الحكمِ الأولى، ولكن الحكومة رغم علاقتها الوطيدة بالدولة، وعلاقة الدولة الوطيدة بالوطن، تخرج من إطار الديمومة، فالذي اليوم مثلا في مقعد الوزارة غداً يكون متقاعدا بسبب العمر أو بسبب كفاءة أخرى تحلُّ محلّه، وكذلك الأمر بمن هو الآن خارج الحكومة سيكون غدا وزيرا أو وكيلا، إنّها طبائع الأشياء، وطبائع الأشياء عندما توصف بالكلمات يجب أن توضع في إطارها الدقيق، وهُنا تأتي بوصلة الكتابة الوطنية [الصادقة] التي تهدف إلى قول شيء خيّر ومفيدٍ وبانٍ في حقّ الوطن.


كما قلتُ أعلاه، عندما يتعلق الأمر بالوطن، تنزلُ الأقلامُ وتحبرُّ الصحف، وعندما نتحدث عن وطننا عُمان في الظرف الحاليّ، نكتشف أن نقاطا طائرة كثيرة في الهواء لم تعد توضع في أماكنها، فعلى صعيد الكتابة الوطنية نعيش أزمة حقيقة في التسميات والصفات، هذه الأزمة هي التي تغير كلمة [أزمة] إلى كارثة، وتغير كلمة كارثة إلى [حدث عادي] وكلا الأمرين خاطئ بشكل تام وجذري، حال الكاتب أن يضع القليل من النقاط على الكثير من الكلمات، وحال الحكومة أن الكثير من النقاط على الكثير من الكلمات، هذا يملك النقطة وهذا يمتلك الكلمة، وهذه من صفات التوازن المدني اللازمة في أي دولةٍ في العالم، مهما كان شكلها أو نوعها.


عندما نأتي إلى [الظرف] الذي تعيشه عمان الآن، أقف وأتأمل كل شيء خارج هذه الظروف التي تنال الاهتمام الأقصى من قبل كل الأطراف، الشعبي، والحكوميّ. على الصعيد الشعبيّ هناك أشياء تقال، وعلى صعيد المجتمع هناك أشياء مختلفة تُقال، المجتمع جزء من الشعب، ولكن ليس كل فرد من الشعب بالضرورة يقع في مجتمعٍ واحدٍ، التباين سنّة كونية حتمية، ولذلك خلقت الكلمة فارقها بين مجتمع وبين شعب.


إن الفضيلة لم تكن ذاتَ يوم صفة مربحة لأي شعب أو مجتمع. الفضيلة تأتي مع ضرائب ليست بالقليلة. وعندما نأتي لنتأمل عُمان [الوطن] وعُمان الدولة، سنجدُ أننا في دولة فضيلة من الطراز الأول، لقد وهب الله عمانَ حاكماً لن يتكرر عبر العصور، وفي زمن الجنون الدوليّ كان سلطان عُمان العاقل في منطقة تموج بالدماء والحروب، وهنا يأتي ما أقصده بقوّة الفضيلة، لقد نأت عُمان بنفسها وأصرت إصرارا لا هوادة فيه ألا تكون طرفا في معادلةٍ تلوّث الرصاصَ العُمانيّ بدماء الأبرياء، هنا يأتي موقف الفضيلة العُماني واضحا ومستمرا منذ أربعين عاما، والسلام من فضائل البشر، وفضائل الدول، ولهذه الفضيلة مكاسب كبيرة للغاية أهمها [الثقة] التي يوصفُ بها الوطن العُماني، وهذه ثقة يعض عليها بالنواجذ ويمسك بها حتى تتقطع الأصابع، تنسحب الثقة التي ينالها الوطن العُماني إلى الثقة التي تنالها الدولة العُمانية، فالدولة العُمانية بقيادة السلطان قابوس صنعت لنفسها مكانة دولة مدهشة أثارت ذهول الدول الأخرى المتبجحة بالمال والعد والعديد، كل هذا يدور حول محور إنسان واحد هو السلطان نفسه، وكما قلت من قبل إن الهبة الإلهية التي جعلت حاكما عاقلا في زمن الجنون انسحبت آثارها على الشعب نفسه، لذلك تجد أن قوّة الفضيلة العُمانية ما زالت تمارس سيرورتها الوجودية في لغة العُماني، وفي تصرفاته وفي تعامله مع القريب والغريب.


ضرائب الفضيلة تحتاج إلى تضحيات، وهذا فعلا ما حدث، فبعد توتر الوضع الإقليمي الخليجي وجد الوطن العُماني نفسه مضطرا إلى تغيير بعض الخطط بناء على الأرقام التي [تلخبطت] كثيرا، التخبط الذي يحدث في المنطقة العربية ساهم بشكل كبير في صناعة [الظروف] التي يعيشها الوطن العُماني حاليا، ولكن قبل أن ندخل إلى هذه الظروف، وإلى الحلول المنطقية لها، يجب أن نسأل أنفسنا، هل هي ظروف؟ أم هي أزمة؟ أم هي كارثة؟

هنا يأتي دور الكتابة لتضع القليل من النقاط على الكلمات الكثيرة المتناثرة، ويمكننا أن نؤكد بشكل جازم أن انحراف بوصلة الكتابة بسبب قوة الجذب المغناطيسية للهلع والخوف جعل الكلمات تصف معنى آخر. تمرُّ عُمان الآن بسلسلة إجراءات تقشفيّة، والجميع يعرفُ أن هذه الإجراءات موجعة ومؤلمة وتوتّر الوضع الداخلي اقتصاديا بشكل كبير، واجتماعيا بشكل أقل. لا أشير ولا أقول ولا أؤيد بأي شكل من الأشكال المساس بمستوى دخل المواطن المعيشي، ليس هذا ما أريد قولَه.


ما أريد قولَه خارج هذه الظروف كليّا، إن مصدر القلق العُماني الأولّ معروف ولا يحتاج إلى فهم كبير، الكل قلق على تغير ظروف الدخل بعد رفع الدعم عن البترول مثلا، أو كما سيأتي كما يبدو الكهرباء والخدمات الأخرى. القضية ليست في الدعم البترولي، ولكن القضية في [دخل الفرد] وهنا يختلف الكلام جذريا، يمكن لرفع الدعم أن يلعب دورا في رفع دخل الفرد لو تمت معالجة المعادلة المالية للدولة العُماني ليتم مناقلة ما ذهب للدعم ليذهب إلى الفرد مباشرة عبر علاوات المعيشة التي تنزل في راتبه، بهذا الشكل يمكن أن يرفع الدعم وفي الوقت نفسه يعودُ إلى [الفرد الواحد] الفارقُ الذي يدفعه حاليا، مثل هذا التصرف سيحل الأمر جذريا، كذلك الأمر مع الكهرباء، ومع الماء، فالفكرة ليست في الدعم أو غيابه، إن حدوث أزمة في العقارات في عمان مثلا كفيلة بامتصاص دخل الفرد فوق ما يشكله رفع الدعم عن الكهرباء والماء والبترول، وهُنا يأتي دور الحكومة في هندسة النقص المالي لكي لا تدفع كفّة الكلفة أكثر من كفّة.


للفضيلة ضرائب، وهذه أحد ضرائبها، ولا أظن أن أحدا يمتلك حسا وطنيا سيقبل أن تكون عمُان طرفا في الجنون العربي القائم، موقف عُمان تجاه السلام الدولي واضح وقديم ومستمر، وعندما نأتي إلى الأثر الداخلي لضرائب هذه الفضيلة علينا أن نتذكر أنها ليست المرّة الأولى التي تمر بها البلاد بهذه الظروف، ولن تكون الأخيرة، فالأمر لا يتعلق دائما بوجود الأزمة، وإنما بحلحلتها، شخصيا لست متشائما على الإطلاق، وما يحدث الآن في الوطن العُماني بسبب ظروف خارجية لم يصنعها هو متوقع، الحلول لن تكون مرضية للجميع، وكلنا نحمل الأمل ألا يصل الحال إلى المساس بدخل المواطن الفرد، إن فكرة رفع الدعم أو وجود الدعم يجب أن تقاس بأثر ذلك على الاقتصاد العام، لا أجدني أقلق على سعر البترول بقدر ما أجدني [أخاف] من حدوث أزمة عقارية كما حدث في عام 2006 فصاعدا، حينها لن يخسر الشاب العُماني المتوظف حديثا [50] ريالا في الشهر، ولكنه سيخسر [250] ريال مضافة إلى تكاليف الحياة في شقة سيرتفع إيجارها للضعف، هنا يكمن الخوف، أن تتكرر تلك [الأزمة] السوقية، وهنا نقف أمام شيء محير في الاقتصاد، في ظل ارتفاع سعر النفط، ارتفعت إيجارات الشقق حتى وصلت لمبالغ خيالية، ونزل الوافدون وزاحموا المواطن في الشقق، وفي ظل انخفاض سعر النفط تنزل أسعار الشقق ولكن الميزانية العامة تعاني من مشاكل في تغطية العجز في بعض البنود، الاقتصاد ليس فكرة خطية أحادية تسير في جهة واحدة، وكل هذه العموميات التي أطرحها كان من الواجب على أهل الاقتصاد أن يبصروا بها مواطن بسيط مثلي، فكما يتم مناقلة الأموال من مشروع لآخر، يقوم المواطن أيضا بدراسة وضعه، ودراسة تعليم أبنائه وعلاجهم، علاقة النفط بالمعيشة ليست واضحة وخطية، المزيد من النفط قد يكرر أزمة [2006] العقارية، والقليل منه شكل ضغطا على الحكومة، تعقيد الموضوع يجعلني أقول أن بوصلة الكتابة عليها الآن وبشكل سريع أن تتجه إلى هذه التفاصيل بدلا من العموميات التي يفهمها الجميع، وأقصد بالتفاصيل الأرقام التي يمكن للكاتب الاقتصادي أن يقدمها للمجتمع بدلا من تكراره ليل نهار سرد أسباب هذه الظروف الاقتصادية، ماذا بعد؟ هذا هو المهم؟ لكي تنزل الأقلام على الأوراق، ولكي تحبرَّ الصحف بشيء مفيد!!!


الاثنين، 10 أبريل 2017

"فوبيا ايران" والهجوم اللفظي على سلطنة عمان



في مشهدٍ إلكتروني متكرر؛ تشن حسابات خليجية في مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً كلامياً على السلطنة على خلفية خبر قيام السلطنة والجمهورية الإيرانية بعمل مناورات بحرية مشتركة تتعلق بسلامة الممر البحري وعمليات الإغاثة، هذا الهجوم اللفظي من قبل الأشقاء الخليجيين-وخاصة من اخواننا السعوديين- لم يكن وليد اللحظة؛ بل هونتيجة تراكمات فكرية وثقافية وسياسية ودينية، يمكن اختصارها في ثلاث نقاط:

1-"فوبيا إيران"، فالعداء التاريخي بين الأنظمة السياسية في الجزيرة العربية وبين إيران؛ هو صراع إيدلوجي بالدرجة الأولى، يدخل ضمنه الصراع المذهبي، وأيضاً صراع على النفوذ الأرضي والاقتصادي،وهذا ما يشكل للفريقين حالة من الإرتياب والخوف من أي حركة تصدر من الطرف الآخر، لذا فإن قيام إيران بمناورات عسكرية في بحر العرب أو بحر عمان أو في الخليج العربي يفسره الأخوة في السعودية-على المستوى الشعبي- على أنه "استفزاز"-بناء على ما هو شائع في وسط مواقع التواصل الاجتماعي، ومثله أيضاً بالنسبة للإيرانيين.

2-ينظر كثير من الأشقاء السعوديين لدولتهم على أنها "الأخت الأكبر" لدول الخليج، وبهذا المنطق فإن مشاركة السلطنة في مناورات مع إيران غير مقبولة حسب مبرراتهم أو وجهة نظرهم. وخاصة أن هناك بعض الاختلاف-القليلة جداً- في وجهات النظر السياسية بين السلطنة وباقي دول الخليج، ولعل أبرزها مسالة الاتحاد الخليجي.

3-ربما لبعض الخلافات المذهبية أو الاختلاف "النسبي" في الثقافة الدينية والمذهبية بين الدول الثلاث (السعودية-إيران-السلطنة) دور في تنامي هذا الهجوم اللفظي على السلطنة من قبل الأخوة الخليجيين.

وهذه الأسباب لا تبرر في أي حالٍ من الأحوال قيام أي فرد بالتهجم على أي دولة مهما كانت، فما بالك بأن تكون هذه الدولة هي جزء من النسيج والجسد الخليجي وهي السلطنة، ولعله من المناسب هنا ذكر بعض الأسباب التي على ضوءها تكفي لأن "يكف" الأخوة المتهجمين على السلطنة عن هذا الفعل، نذكر منها:

1-قامت عدد من دول الخليج بالاشتراك في مناورات عسكرية مع إيران، فقبل شهرين فقط (فبراير2017م) اشتركت المملكة العربية السعودية في مناورات عسكرية في باكستان بمشاركة إيران، كما اشتركت قطر أيضا قبل ثلاث سنوات بمناورات مع ايران، ووقعت قبل ذلك اتفاقيات أمنية تتعلق بسلاح البحرية مع ايران، وغيرها من الأعمال العسكرية المشتركة بين ايران ودول الخليج.

2-المناورات العسكرية المزمع اقامتها بين السلطنة وإيران تتعلق بتمارين لحماية خط النقل البحري وتمارين لعمليات الاغاثة والانقاذ البحري، ولا يشكل أي تهديد أو استفزاز لأي دولة. وخاصة أن إيران هي دولة جارة وتشترك مع السلطنة في حدود بحرية طويلة، كما تشترك في حدود الممر البحري الشهير (مضيق هرمز).

3-معروف عن السلطنة سياسة السلام والحكمة، فليس من المعقول أو المنطق أن تشارك السلطنة في أعمال عسكرية عدائية ضد أي دولة أخرى مهما كانت.

4-علاقات السلطنة بدول الخليج هي علاقة اخوة وترابط ومصير واحد، ولا يمكن التشكيك في قوة الرابطة الأخوية بينهم، والمناورات مع ايران لا يمكن أن تؤثر على هذه العلاقة، فالسلطنة دولة مستقلة ولها قراراتها السيادية التي تتخذها دون املاء أو التبعية لأحد.

5-حسب الإحصائيات الاقتصادية الرسمية الصادرة من مختلف دول الخليج والتي تنشر بين فترة وأخرى، فإن قوة التبادل الاقتصادي بين بعض دول الخليج وإيران هي أكبر بكثيير مقارنة مع التبادل الاقتصادي بين ايران والسلطنة.

أخيرا، من غير المشكك فيه بأن سياسة السلطنة الخارجية واضحة كالشمس في كبد الظهيرة  ولا تحتاج للتأويل، ولها الحق بأن تقوم بمناورات مع إيران مثلما تعمل مع باقي الدول ومنها دول الخليج، وأعتقد بأن هذا حق سيادي ولا علاقة بالآخرين به، كما من الواضح بأن هناك من يتعمد إثارة هذه المواضيع باسلوب موجه "سلباً" تجاه السلطنة مثل قناة وصال ومثيلاتها، وبالوعي نواجه الظلام.


حكاية نفر 10 ابريل2017م






الاثنين، 3 أبريل 2017

قراءة وتساؤلات حول النشاط الحقوقي في سلطنة عمان



بين فترة وأخرى؛ تصدرُ ما تُعرف بـ"المنظمات الحقوقية" تقارير وبيانات عن حقوق الإنسان في بعض الدول، وتعمل على تقيّم الدول حسب المعايير التي وضعتها تلك المنظمات، ولأن السلطنة جزء من العالم فقد شملها نشاط تلك المنظمات، وتنال منها بعض الانتقادات الانتقائية، وللأسف فإن تلك الانتقادات لم تتعرض لنقد أو قراءة موضوعية، فهي تمثل وجهة نظر مصدرها، وإن حدث هناك تفنيد أو قراءة نقدية فإنه يصدر من جهة تمثل الطرف الآخر وليس الطرف "المحايد"، فيا ترى ما حقيقة الوضع الحقوقي في سلطنة عمان؟ وما هو الهدف الحقيقي لبيانات المنظمات الحقوقية؟وما هو مصدر تمويلها؟ وما مدى تأثر وارتباط الحقوقيين بالسلطنة بهذه المنظمات؟.

 الأسئلة قد تطول، لكن دعونا نتطرق على عُجالة للصورة العامة فيما يتعلق بالوضع الحقوقي بالسلطنة، فنذكر من تلك الصورة:


-ورد في النظام الأساسي للدولة (الدستور)، في المادة رقم (29): (حرية الرأي والتعبير عنه بالقول أو الكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون)، وحددت المادة رقم (31) من النظام الأساسي بعض تلك الحدود، فتقول المادة: (حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس أمن الدولة أو يسئ إلى كرامة الإنسان)، كما حدد قانون الجزاء العماني عقوبة تلك التجاوزات في المادة رقم  (135) منه. وخلاصة ما يُفهم من المادة: لك أيها المواطن أو المقيم حرية التعبير وقول وجهة نظرك بكافة الوسائل، لكن هذه الحرية ليست مطلقة تماما، بل هي مؤطّرة وفقا للحدود المتعارف عليها دوليا وتشريعيا ، فلا يمكن أن تسب وتشتم شخص آخر بوسائل علانية وتقول أنها "حرية التعبير"!، ففي هذه الحالة من حق الشخص المتضرر رفع قضية ضدك، كما لك الحق أيضا لو كنت مكانه، وهذا ما ينطبق على باقي الخطوط الحمراء المتعارف عليها قانونيا و"عُرفيا"، وعلى نفس القياس فإنه لا يمكن أن تسبب ضرر في أمن الدولة كالتقليل من هيبتها أو شتم شخصية اعتبارية دون مساءلة وتقول حرية شخصية!، فهناك حدود وضوابط لهذه الحرية. فـ "حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".

-قامت السلطنة بالتوقيع على أغلب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تتشعب من لجان منظمة الأمم المتحدة ومنها مجلس حقوق الإنسان-حسب ما هو موثق رسميا؛ فصدرت عدة مراسيم سلطانية تعلن توقيع السلطنة لهذه الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان بكل أشكالها، ومنها مرسوم عام 2002م بالتصديق على انضمام السلطنة للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ومرسوم للموافقة على انضمام السلطنة إلى اتفاقية حقوق الطفل عام 1996م، مرسوم للموافقة على انضمام سلطة عمان إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 2005م، ومرسوم للتصديق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة عام 2008م. وهذا أمر إيجابي إذ يفرض على الحكومة –أخلاقياً- الالتزام بما ورد فيها.

-صرّح وفد السلطنة في الأمم المتحدة في الكلمة الافتتاحية لاجتماع  سيداو أن السلطنة في طور توقيعها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري. كما أكدت السلطنة لاحقا موافقتها للانضمام لتلك الاتفاقيات خلال الاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر 2015م، وبتوقيعها على تلك الاتفاقيات ستكمل العِقد الحقوقي الدولي. وفي انتظار التوقيع النهائي على تلك المعاهدات.

-أبرز ما يُؤخذ على السلطنة من قِبل المنظمات الحقوقية هو ما يخص اعتقال بعض الأشخاص ومحاكمتهم وفقا لقانون جرائم تقنية المعلومات، وهذا فيه اختلاف شاسع في وجهات النظر بين الطرفين، فما تراه المنظمات الدولية أمراً عادياً يعتبر في المجتمعات العربية بصفة خاصة مجرّم، فمثلاً التجديف في الذات الإلهية يعتبر خط أحمر وفقا للشريعة والقانون والعُرف الثقافي والديني والاجتماعي، ومن الطبيعي محاكمة من ينشر علانية مجدفاً في الذات الإلهية أو ناشراً للإلحاد، بينما المنظمات الدولية تعتبره ضمن إطار حرية الرأي ، وعلى هذا قس ما يتعلق بإثارة الفتنة المذهبية والطائفية والمناطيقية، وما يتعلق بالشتم والقذف والتقزيم للشخوص.

-تنتقد بعض المنظمات الحقوقية وضع العمالة الوافدة في السلطنة  وخاصة عاملات المنازل، إلا أن قانون العمل العماني به من المواد القانونية ما تكفل الحماية للعامل ورب العمل، وما يحدث في بعض الأحيان من تجاوزات تعتبر فردية ويتحملها أحد الطرفين (العامل أو رب العمل) حسب خلفيات كل حالة، والفيصل في ذلك هو القانون والقضاء، ولا تحتمل هذه القضية لزجها في ملف انتقادات حقوق الإنسان-طالما يوجد قانون يكفل حق العامل.

-أنشأت السلطنة لجنة خاصة لحقوق الإنسان، تحت مسمى (اللجنة العمانية لحقوق الإنسان) المقرر إنشاءها بالمرسوم السلطاني رقم (124/2008)، وهذه خطوة إيجابية كبيرة، فهي ستكون تحت تحدي كبير لاستيعاب الحالات المتضررة ومعالجة موضوعها، وقد يبرز نشاطها لنا كمتابعين في بعض الحالات التي تطفوا على مواقع التواصل الاجتماعي. وحسب موقع اللجنة فإن المرسوم السلطاني القاضي بإنشائها قد حدد لها عدد من المهام أبرزها: متابعة حماية حقوق الإنسان وحرياته في السلطنة وفقا للنظام الأساسي للدولة ، والمواثيق والاتفاقيات الدولية،رصد أية مخالفات أو تجاوزات متعلقة بحقوق الإنسان في الدولة والمساعدة في تسويتها وحلها، ورصد ما قد تثيره الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من ملاحظات في مجال حقوق الإنسان في السلطنة والتنسيق مع الجهات المعنية للتحقق منها والرد عليها، وغيرها من المهام المنوطة بها.


هناك العديد من النقاط التي يمكن ذكرها ضمن هذا الإطار المتعلق بالجانب الحكومي، لكن نكتفي في هذا المقال بما ورد، على أمل أن نستأنف باقي النقاط والتساؤلات المذكورة في المقدمة في تدوينات لاحقة ضمن سلسلة "النشاط الحقوقي في سلطنة عمان"، ونأخذ الموضوع من كافة الجوانب من منظور حيادي.



حكاية نفر الأثنين 2017م