الخميس، 10 مارس 2016

طريق الباطنة الساحلي.. بين مطرقة الطريق وسندان التعويضات وأمل السياحة


  


ربما يعد مشروع طريق الباطنة الساحلي من أكثر المشاريع الحكومية تعقيدا، وأطولها زمنا، حيث أكمل (11) سنة منذ صدور المرسوم السلطاني رقم 6/2005م، كما أنه أطولها مسافة، حيث يصل طوله لـ(246) كلم، بداية من منطقة المنومة أو النسيم وحتى خطمة ملاحة. لهذا يواجه المشروع تحديات كثيرة جدا، مما يضعه بين المطرقة والسندان، فالتحديات من فوقه ومن تحته، ورغم ذلك؛ فإن الأمل معقود بناصية خيل هذا المشروع الطموح، لأنه حين اكتماله سيحدث تغيير جذري في منطقة الباطنة، إذا ما استغل خير استغلال، من خلال تحويل المنطقة لمزار سياحي يتوفر فيه كل ما يلزم السائح من ترفيه واستجمام وغيرها.

التحديات التي تواجه المشروع كثيرة مثل ما ذكرنا، لكن أبرزها هي:

الكثافة السكانية:

التحدي الأبرز الذي أربك المشروع برأي هو أن الطريق يخترق منازل وأملاك ومزارع أعلى كثافة سكانية بالسلطنة، فعلى طول الطريق يكاد لا يقطع الطريق مسافة 1 كلم إلا وتضطر الحكومة دفع تعويض بسبب مرور الطريق في أملاك المواطنين أو بالقرب منها.

التعويضات المالية:
نتيجة للكثافة السكانية أصبح موضوع التعويضات المالية أمر في غاية الصعوبة، ونتج عنه تذمر كثير من المتضررة أملاكهم من المشروع، وذلك للأسباب:

1.لتعوض المتضررين فأنك تحتاج لسيولة مالية كبيرة جدا لتغطية عشرات الآلف من الممتلكات، ولصعوبة توفير تلك المبالغ في ميزانية "خطة خمسية واحدة" يتم ترحيلها لخطة خمسية أخرى، مما نتج عنه تأخير في سداد التعويضات.

2.عدد كبير من الأراضي البيضاء والمزارع القائمة والمنازل القديمة لا تتوفر بها ملكيات رسمية، كما يوجد عند البعض صكوك قديمة تثبت ملكيتها لهم، لكن إثبات صحة تلك الصكوك أيضا يحتاج لإجراءات طويلة، كما توجد بعض الأملاك وخاصة المزارع بدون ملكية أو صكوك، أو أن صاحب الأرض فقد الصك والذي لم يثبّت إلكترونيا في السابق، كل ذلك يستهلك الكثير من الوقت والجهد، مما ساهم في تأخير المشروع وتأخير صرف التعويضات.

3.رفض البعض استلام مبلغ التعويض لعدم كفايته لبناء منزل جديد، وربما يكون المبلغ المقدر كتعويض متناسق مع القيمة السوقية للمنزل لكن –حسب كثير من المتضررين بأن الأمر ليس متعلق بالقيمة السوقية للمنزل المتضرر بقدر ما هو متعلق بالقيمة المالية التي تحتاج لبناء منزل جديد للعائلة، إلا أن هذا الموضوع تم معالجته لاحقا بزيادة قيمة التعويض، ورغم ذلك هناك من يرفض استلام التعويض لأسباب أخرى.

تعويض الأرض بأرض:

من التحديات التي واجهت المشروع هي تعويض الأرض بالأرض، أي أن تعوض عن أرضك السكنية أو الزراعية بالإضافة للمبلغ المالي بقطع من الأراضي في مكان آخر، والإشكالية التي حدثت في أن الكثير من المتضررين وجدوا بأن هذا الأمر ليس في صالحهم بسبب أن قطع الأراضي الممنوحة لهم كتعويض عن الأراضي الزراعية السابقة هي "سكنية" وليس زراعية، علاوة على أن القطع منفصلة عن بعضها وليست مدموجة كقطعة واحدة كبيرة. بالإضافة إلى الأراضي الموزعة بعيدة عن قراهم أو أماكن سكناهم، وهذا ما اشتكى منه الكثير، وخاصة من يعتمد على صيد البحر في توفير قوت يومه.


تعويض المنزل بمنزل:

اسندت الحكومة مناقصات مليونية لبناء مجمعات سكنية تتكون من منازل لتعويض المتضررة منازلهم وقبلوا مبدئيا بتعويضهم بمنزل آخر بدل المبلغ، إلا أن إشكالية لم تكن محسوبة ظهرت عند جهوزية المنازل الجديدة، وهي أنها لا تتوافق مع أذواق واحتياجات المتضررين، لأسباب معقولة بالطبع، وأبرز تلك الأسباب هي:


1.عدد الغرف لا يتناسب مع عدد أفراد الأسرة، حيث تتكون بعضها من ثلاثة غرف وبعضها من خمسة غرف للأسر الكبيرة، وما زاد الطين بِلَة هو طول المدة الزمنية بين حصر أفراد الأسرة وبين جاهزية المنزل الجديد، فمن كان طفلا أصبح اليوم كبيرا، ومن كان أعزب  أصبح في متزوجا أو على وشك الزواج ويحتاج لغرفة منفردة، ومن لم يكن لديه أطفالا أصبح أب لطفلين ثلاثة أو أكثر ويحتاج لغرف أخرى، بعنى أن المنازل الجديدة لم يرعى فيها توسع وزيادة أفراد الأسرة في المستقبل.


2.عدد كبير من رافضي استلام المنازل لديهم سبب اخرى، وهو أن المجلس داخل المنزل، ودورة مياه المجلس داخل المنزل أو مشتركة مع غرفة أخرى داخل المنزل، بالإضافة إلى أن طول الجدار الفاصل بين المنزل وما يجاوره ليس كافيا لمنح الأسرة خصوصية تامة، رغم أن الجدران الفاصلة تم بناءها بطريقة "الخرسان" الصلب، ومن الأسباب أيضا هي أن مساحة "الحوش" ليس كبيرة بما هو كافئ مثلما هي في المنازل القديمة التي تتميز بمساحة واسعة في فناء المنزل أو الحوش.


3.اختلاف الجيران، حيث يطالب البعض بأن يسكن في المجمع السكني الجديد بنفس ترتيب الجيران في القرية القديمة، وهذا أيضا تسبب بربكة في توزيع المنازل، حيث أن المنازل ذات الغرف الأكثر المخصصة للأسر الكبيرة أو المركبة تم بناءها مجمعة في مكان محدد من المجمع، والمنازل المخصصة للأسر الصغيرة في ركن آخر، وهو ما يصعب نقل الأسر بنفس الترتيب.



أمل وطموح:
رغم التحديات التي ذكرت أعلاه أو التي لم نذكرها، ومن له عقار أو منزل أو مزرعة تأثرت بالمشروع بالتأكيد يدرك حجم تلك التحديات، أبسطها تعدد الجهات الحكومية التي لها علاقة بالتعويضات ويتردد عليها المواطنين وهي وزارة الإسكان ووزارة البلديات ووزارة النقل والاتصالات،

 رغم ذلك، فإن الناس يعقدون آمالا كبيرة على هذا المشروع، وحتى لا تضيع تلك الآمل سدى، يجب أن تعمل الحكومة ممثلة بالجهات المختصة على خطة طموحة لجعل هذا المشروع من المشاريع العملاقة في منطقة الشرق الاوسط وذلك بتحويل الشاطئ الذي يمر عليه الطريق والذي يبلغ طوله (246) كلم، كأطول شاطئ سياحي في المنطقة، ولا يتأتى ذلك إلى بالاشتغال أولا على توفير البنى الأساسية أولا ثم تخصيص الأراضي والمواقع لإقامة الحدائق الألعاب المائية والمنتجعات والشاليهات والمارينا والمجمعات التجارية، واستغلال الأخوار التي تزخر بها الباطنة لإقامة المشاريع السياحية. بجانب تطوير المعالم السياحية القائمة مثل الحصون والقلاع والأسوار.

وما يبشر بالخير في هذا المشروع العملاق هو الموقع الاستراتيجي لساحل الباطنة وما يزخر به من مقومات نادرة في منطقة الخليج، حيث التربة الخصبة توفر المياه العذبة والنخيل الكثيف ومزارع الموز الممتدة على طول السهل، وكثرة الحصون التاريخية والأسوار القديمة، كما أن طبيعة المنطقة وقربها من دول الجوار ومن الطرق الرئيسية المؤدية إليها والكثافة السكانية والحركة الشرائية النشطة تغري أي مستثمر في مجال السياحة لإقامة المشاريع الخاصة إذا ما توفرت البنية التحتية.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق