الجمعة، 20 مايو 2016

"من الذي كسر الطاولة؟"، وخلط الكرك بالورق؟


يتساءل المدون معاوية الرواحي في مقال نشره بجريدة الرؤية أمس، عن الذي كسر الطاولة، طاولة الحوار، عندما كان يجلس المثقفين والحكومة على طاولة واحدة.

يقول معاوية بأن المثقفين العمانيين هجروا الطاولة والحكومة كسرتها، وليسمح لي المهذون "مرتين" الأولى عن اقتباسي لعنوان مقاله في الجزء الأول من عنوان مقالي، والثانية عن عدم اتفاقي مع رأيه، لأنه –حسب معطيات الواقع- لم تكن هناك طاولة حتى تُكسر، فالطاولة تجتمع عليها الأطراف للتحاور، بل كان هناك قارب واحد، كنا نبحر فيه معا، لا أقول "معا" كمثقفين وحكومة، بل معا كأبناء وطن واحد وأبناء بيت واحد، وفي البيت العماني التقليدي لا توجد طاولة، بل حصير واحد يتحلقون على أطرافه الأخوة وأيديهم ممتدة على مائدة واحدة.

أقول ذلك في الوقت الذي تشهد الساحة الثقافية العمانية حاليا حالة من التشاحن السلبي أو ما يشبه "الحرب الباردة" بينهم، هذه الحالة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات لمشاهد وأحداث سابقة، نتج عنها تكتلات وشللية، وبتوصيف أكثر دقة يمكن القول أنه عندما بدأ بعض المثقفين أو المحسوبين على الوسط الثقافي في خلط دائرة النشاط الثقافي مع المطالب السياسية والحقوقية، وإن كانت بغلاف ثقافي، فبدأت تتسع الدائرة، ولكون السياسة أرض خصبة للتطرف بالرأي؛ انتهج بعض المثقفين هذا التطرف كخط سير له، فإن لم توافقني فأنت ضدي، ومنها بدأ المثقف يكوّن قائمته الخاصة، هذا معي وهذا حكومي، إلى أن وصلنا لمستوى عال من الشراسة والتطرف في قبول الآخر.

من تلك المظاهر المتطرفة، والتي هي تعري حقيقة "المثقف"، بل وتكسر صورته قبل الطاولة، ما يتعارك حوله اليوم "بتوع السقافة" أو "قبيلة المثقفين" كما ذكرها معاوية ونسبها للدكتور الحراصي، هو عدم تقبل الإنطباع الشخصي لكل من عبدالله حبيب وسليمان المعمري وقبلهم ناصر البدري بعد تجربتهم في الحبس ألإنفرادي مع الأمن العماني، فلأنهم لم ينتقدوا، أو لأنهم كتبوا عن تجربتهم بـ"إنصاف" و"موضوعية"-حسب ما يتراءى لأي قارئ- فشن المحسوبين الخلاطين "الثقافة  بالسياسية" هجوما عليهم، وخاصة على كاتب رواية "الذي لا يحب جمال عبدالناصر" كونه أحب كوب الكرك بالزنجبيل.

وما شد انتباهي مقطع فيديو للطالب المبتعث علوي المشهور، فرغم إعجابي بنشاطه وأفكاره ووعيه إلا أنه في مقطع الفيديو لم يوفق في اختبار وعيه الثقافي وحس المسؤولية لديه، فغشاه الحماس والاندفاع وانتقد بشدة كلا من القامة السينمائية عبدالله حبيب والقامة الأدبية سليمان المعمري بسبب ما كتبوه حول تجربتهم، وباللهجة العمانية أقول "علوي مثل بعض الأسماء زعلانين ليش حبيب وسليمان ما انتقدوا الجهات الأمنية بسبب احتجازهم، بل قاموا بالثناء على حسن المعاملة"، وهذا الاستياء من رد حبيب وسليمان يمكن أن نوصفه كالتالي:

1-ما كتبه سليمان وحبيب هو رأيهم الشخصي، وكتبوه بعد تجربتهم الشخصية أيضا، فلم يخبرهم فلان أو آخرون، كما لم يتحدثوا عن تجارب الآخرين، أو عن ما يوجد لدى الأمن وهم لم يجربوه، بل تحدثوا عن ما شاهدوه بأعينهم ولامسوه بأنفسهم، وليسوا مجبرين أن يتحدثوا عن تجارب الآخرين أو عن أنواع السجون التي لم يجربوها، هذه النقطة من "الجيد" أن نعيها بمستوى "جدا"، كما أنهم لم يقرروا قانونية اعتقالهم ، وللعلم أيضا فإن مثل هذه الكتابات تندرج تحت أدب السير الذاتية وأدب السجون، فلا مجال هنا للاعتراض عليهم، لأنها في النهاية آراء شخصية.

2-حالة الهجوم على سليمان وحبيب بسبب قولهم الحقيقة حول تجربتهم يعكس بوضوح مدى "الإحباط" الذي يواجه "شلة" من المثقفين والمعرف لدى الجميع توجههم، لأنه كانوا-على ما يبدوا- متأملين أن يخرج حبيب وسليمان سالين سيوفهم، ومنتقدين سجانيهم، يكيلوا عليهم الدعوات والشتائم، فكان أن حدث العكس، فكانت النتيجة أن هُجما حبيب وسليمان بسبب "الصدمة".

3-النقطة المحورية التي يهرب منها أغلب منتقدي سليمان وحبيب، هل من المنطق أن يتم اعتقال شخص له وزنه الثقافي في المجتمع بدون أي سبب-على الأقل لدى الجهات الأمنية؟؟!، هل هذه الجهات ساذجة لدرجة أنها تقوم باعتقال أسماء لها وزنها الثقافي في المجتمع بدون أي سبب إطلاقا؟!، وبعض النظر عن الأسباب التي لا نعرفها- فلا يمكن قياس كل ما يكتبه الآخرون على أنه "حرية تعبير"، فلا توجد أي حرية "مطلقة" في أي بلد في العالم، وندرك في دواخلنا مساوي الحرية المطلقة، وبمعنى آخر، ما نراه نحن "حرية" قد تراه الأجهزة الأمنية أن تلك الكتابات بها تعدي على مفهوم الحرية وفقا لمنظورها المبني على أمن البلد ووفق تفسير القانون، وهنا لا أدافع عن سليمان ولا عن الجهات الأمنية، بل هو توصيف أحسبه "موضوعي" بعيدا عن العاطفة. 

الحديث في هذه الموضوع يطول، والأجواء الساخنة التي تشهدها الساحة الثقافية والتي تصادفت مع ارتفاع درجات حرارة الطقس، تكشف لنا مدى "وهن" البيت الثقافي"، أو العلاقات بين المثقفين، وما علاقة الكتاب بالجمعية العمانية للكتاب والأدباء إلا صورة حية لهذا الصراع السلبي والذي-إن استمر- ستكون له نتائج "سوداوية" في الإنتاج الأدبي العماني، أقلها أن الجو "غير محفز" للإنتاج، ومن العيب أن نعلم بأن ثُلة من المثقفين يخاصمون الإدارة المنتخبة الجديدة للجمعية بسبب اختلاف توجهاتهم-التي لا علاقة لها بالأدب والثقافة- بجانب أحداث أخرى، واجواء غير صحية،منها قام قام به أحد المثقفين برفع دعوى في المحكمة ضد صديقه الذي كتبه عنه بعض المنشورات في الفيسبوك، ورفض التنازل، غيرها من الخبايا،  فحدث أن اختلط الكرك بالورق، كما خُلط الزيت بالعسل.

واختمها-مثل خاتمة المهذون- الحشم والحشمة للقلم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق