الخميس، 13 أغسطس 2015

من الجنة إلى الإلحاد.. قصة واقعية




في المسجد ..أجلس متكأ على الحائط الخلفي عند الزاوية البعيدة، صرير الباب يسبق تحية الداخلين، وبين يدي نسخة مفتوحة من القرآن الكريم ، في حين تتمتم شفتي بآيات تحكي قصص الأولين ،ومنهم اليهود والنصارى وبعض الغابرين، تتجول عيني في ملامح  المصلين الذين يتوافدون فرادا وزرافات، منهم من يصلي ركعتي تحية المسجد وكثير منهم يفضل الجلوس لقرب موعد إقامة الصلاة، من المصلين من يرفع يديه ومنهم من يسبلها.

 أتساءل في نفسي: من سيدخل الجنة منهم؟ وأي فريق هم الناجين من الفرق الثلاثة والسبعون؟ وهل سيدخل الجنة من الديانات الأخرى؟

بالطبع سيدخلها المسلمين...بهذا أحدث نفسي ، الأسئلة  تتساقط على جبيني: أي مذهب؟! السنة؟ أم الشيعة؟ أم الإباضية؟ أم مذهب من المذاهب التي اندثرت واختفى أثرها؟.

  صوت الإمام الرخيم وهو يقيم الصلاة يقطع خيوط التساؤلات في عقلي.
أطال الإمام في قراءته لسورة الرحمن.. فعادت التساؤلات بخيوطها تنسل لعقلي.

  خرجت من المسجد وخلفي أسحب كومة من الأسئلة المحيرة، هنا قررت بدء رحلت البحث والتقصي من أجل أن أروي قلبي وجبيني بما يسد ظمأ تلك الأسئلة.

  سنوات عجاف مرت على تلكم الأسئلة دونما تمطر السماء عليّ بخيط إجابة.

حرصت على حضور جميع الدروس الدينية التي تقام في مسجد قريتنا، قطعت مسافات طوال لحضور محاضرات لمشايخ الدين وعلماءه..

أكوام من الكتب الدينية والمراجع لمذاهب متعددة اشتريتها من معرضي مسقط والشارقة للكتاب، طالت الليالي وأنا أتصفح تلك الكتب..

 دلني صديقي "فهد" على مكتبة أهلية في قريتهم، عكفت على بعض كتبها أيامٍ.عدة..

رميت أكوام من الأسئلة في خانة البحث في العم "جوجل"...

سجلت حضورا في المنتديات الدينية..


 وكلما تعمقت أكثر.. تهت في غياهب التشتت أكثر، وجدت نفسي على حافة خطرة، كتمت شيء ثقيل في نفسي، لم استطع البوح به، لكن القلم يبوح به لكم.. لقد كنت على حافة "الإلحاد"..نعم.. الإلحاد


التساؤل عن الجنة كان بمثابة الوادي المندفع نحو المحيط، لم تسعفني قدارتي في السباحة وسط تلاطم الأمواج، انتماءي النفسي بالإسلام بدأ يضعف حتى تلاشى، بدأت أحلق بجناحي للبعيد، لم تعد التجمعات الاجتماعية والدينية تروق لي، ليس سوى "فهد" من أقضي وقتي معه.

  انسلّت نسائم الإلحاد لمضجعي ليلا، علمت ذلك بعدما دقت أمي على باب غرفتي لتوقظني لصلاة الفجر، فتحت عيناي ورفعت ظهري وأسندته على ركبتي، أصابتني البلادة برهة من الوقت، بدأت حشرجات في صدري تنهشه، دموعٌ تساقطت من عيني، تسارعت وتيرتها وكأن غيمة انهمرت علي بماءها ، بكيت..وبكيت، وأنا عصيّ الدمع فيما مضى.. كان هذا بفعل تراكم الشكوك والظنون.

  بكيت لأني لم أعد أرغب في الصلاة، لم أرى فيها أكثر من حركات رياضية فقط، صلاة لن تشفع لي بدخول الجنة دام أني حليق اللحية مسبل الثوب، صلاة لا أعرف إذا ما كانت هي التي سيقبل بها الله أعمالي، فمذهبي يختلف عن مذهب صديقي، وديني يختلف عن دين العاملة السريلانكية النصرانية التي تعمل في بيتنا، هي امرأة صالحة تعمل الخير وتغترب من أجل تأمين قوت أولادها، فكيف سيدخلها الله النار بسبب ديانتها؟! أيقبل الله بهذا؟!، هكذا كنت أفكر، بل أبعد من ذلك، فشككت في نفسي بوجود الجنة أصلا، شككت بيوم القيامة، شككت بأشياء لا تُقال.

 مرّت الأيام والشهور، نسيت الصلاة، ولم تعد تعني لي شيء.

  في الثانية ظهر يوم الجمعة، جسدي منبطحا على الأريكة أشاهد فيلما على (MBC2)، صوت رنين هاتفي علا صوت موسيقى الفيلم، ("خالد".. يتصل بك)

 ألووو...
صوت خالد يرتجف: أحمد لحق
أنا مندهشا: سلاماات شو صاير؟!
فهد..فهد بن حميد..انتحر قبل الظهر، والدفن بعد ساعه.

  انطلقت مسرعا نحو غرفتي، انتزعت دشداشتي من علاق الملابس، خرجت وأنا ألبسها لأستغل الوقت وألحق على الجنازة، لم أكترث لبعض البقع والتجاعيد عليها، لا يهم ذلك، فأنا ذاهب لجنازة أعز أصدقائي.

 في طريقي، مررت على مسجد القرية بسيارتي، وكأني أمر على الأطلال، تذكرت تلك الأيام التي أقضي جلّ وقتي فيه، تذكرت صورتي وأنا أقف على عتبة المسجد والابتسامة تنحت وجهي من خدي الأيمن للأيسر، لقد كنت سعيدا مرحا خفيف الظل.

  في تلك اللحظات وجدت نفسي أتأمل وجهي في مرآة السيارة الداخلية،  وجه عبوس، كئيب، أتصنع الابتسامة أمام الناس وداخلي دخان رمادي، فأنا لم أعد أنا، أحسست بأن حياتي مبتورة، بتر منها الفرح.

  فجأة.. دعست على "بريك" السيارة، وركنتها على جنب الشارع، وبكيت.. هكذا دونما مقدمات، لست أبكي صديقي الذي فقدته للتو، بل أبكي ابتسامتي التي فقدتها منذ فارقت المسجد..

 استدرت بسيارتي نحوه،وكأني اكتشفت كنزا للتو..أسرعت السير، لم أكترث بأي رجلي أبتديء الدخول، انطلقت مباشرة نحو المحراب وخريّت على ركبتي ساجدا لله، ودموعي تبلل سجادة الإمام، أدعوه بأن يرحمني ويدخلني الجنة، في الوقت ذاته يوارى جثمان "فهد" الثرى" في مقبرة القرية القريبة منا.

 *******
التكملة في الجزء الثاني..لاحقا
حررت في 13 أغسطس2015
حكاية نفر





هناك 5 تعليقات:

  1. أسأل الله لك الثبات والتوفيق وأن يبعد عنك نزغات الشيطان ،،، أدمعت عيني من بوحك ،، أحياناً نصل لهذه الأسئله ونبحث وقد نصل لما وصلت له لكن طالما قلوبنا صافيه تبحث عن الحقيقة والحق فإن الله وحده سيدلنا عليها ..
    ثبتك الله وأثابك ..

    ردحذف
  2. لقد كنت سعيدا مرحا خفيف الظل لأنك لم تفكر بأسئلة الوجود، و عندما فكرت قفزت إلى دائرة الإلحاد دفعة واحدة، و هذا غير ممكن منطقياً فالإلحاد يأتي قبله الربوبية و اللادينية، هذه القفزة الكبيرة لا تنم عن وجود أسئلة صادقة، إنتحار فهد ذكرك بالموت و الموت مخيف للكل حتى الملحد و حتى المسلم، الخوف ارجعك الى المسجد لأنه يعطيك جواب عاجل لحالة نفسية يعيشها الجميع. لا أدري اين الترابط في الافكار في المقال لكن من الناحية الشاعرية فهو نص جميل يأخذ القارئ شعورياً، سلمت يداك!

    ردحذف
  3. سرد جميل عشتُ بين الكلمات الإحساس!
    أنار الله روايتك وأهدانا إلى الطريق القويم

    ردحذف
  4. سرد جميل عشتُ بين الكلمات الإحساس!
    أنار الله روايتك وأهدانا إلى الطريق القويم

    ردحذف
  5. يالله .... انهمرت دموعي وتساقطت ذكرياتي مع هذا النص الشيق .... حفظ الله قلبك

    ردحذف