الأحد، 5 أبريل 2015

سلطنة عمان .. ما بين المعسكرين "الكاثوليكي" و"البروتستانتي"

سيل من الشتائم والتقزيم لسلطنة عمان بسبب موقفها من "عاصفة الحزم" والاتفاق النووي




صدق الساخر الاسكتلندي توماس كارليل عندما قال بأن "الرأي العام هو أكبر كذبة في التاريخ"، وخير دليل ما يحدث حاليا في المنطقة العربية، فتقرير تلفزيوني واحد كفيل بتغيير وجهات عامة الناس من الشرق للغرب ومن اليمين لليسار وكأنهم مجرد آلة لا كائن بشري وهبه الله جل جلاله عقلا يميز به الحابل من النابل.

اقول ذلك وأنا اقرأ تغريدات وتعليقات عجيبة في وسميّ ( #عاصفة_الحزم ) و(#الإتفاق_النووي) حيث يغرد بعضهم بتغريدات هي أقرب بوصفها "عصرات غسيل مخ" و"تبعية عمياء" لوسائل الإعلام ومنظريها المؤثرين المحسوبين على المعسكرين السعودي والإيراني، والقصد هنا وسائل الإعلام السعودية مثل قناة "العربية" وأخواتها والقطرية  مثل "الجزيرة" وبناتها والمصرية وعماتها، في مقابل المعسكر الإيراني ولديه أيضا قوة تأثير وتوجيه إعلامي لا يقل عن  قوة إعلام المعسكر التي تعاديه أو المعادي لها، وفي مقدمتهن قناتي العالم والمنار، وكل تلك القنوات تعمل بالتزامن مع تهيئة ميدانية من المتحدثين باسم الدين، لذا تجد ان تأثيرها مضاعف على أفئدة عامة الناس وليس عقولهم، لأنهم لو حكموا عقولهم ما انجرفوا بهذه السرعة مع توجهات التيارات السياسية المتقلبة. وهنا أحمد الله على أن وسائل الإعلام العمانية ضعيفة التأثير في هذا الجانب بسبب محدودية انتشارها وقلة مشاهديها، بجانب أنها تقف "سياسيا" على بُعد نفس المسافة بين المعسكرين.

ففي هذه الأجواء وبعد مرحلة التعبئة الإعلامية العامة المخطط لها يشن كثير من المغردين الخليجين حملة "سباب وشتم وتقزيم" لسلطنة عمان بسبب موقفها من عملية #عاصفة_الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية ، وبسبب جهودها في الاتفاق الإطاري للــ #الإتفاق_النووي النهائي المرتقب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة (5+1).

 السباب والتقزيم من بعض الاخوة الخليجيين وخاصة السعوديين منهم للأسف لا يستند لأي مبرر "عقلاني"، فكل ما يستندون له عبارة عن شعارات وعبارات براقة تدخل في خانة القومية والعروبية والمناطقية والمذهبية، كل تلك الشعارات هي عبارة عن نتاج عمل توجيهي وبروجاندا متراكمة منذ سنوات مستخدمة الخطاب الديني والحمئة المذهبية كبنية أساسية وتحتية لهذه البروجاندا.

لا يعنيني أي من المعسكرين السعودي أو الإيراني في شيء طال أنهما يوظفان "الدين" في لغة الخطاب لكسب التعاطف وشحذ همم العامة ونخوتهم ضد أتباع المعسكر الآخر، فالصراع هو "سياسي" بحت وكلاً يسعى للنفوذ على حساب الأخر، وهذا الصراع هو تاريخي يعود لما قبل الإسلام بين عرب الجزيرة والدولة الفارسية ولاعلاقة للإسلام البحت به، وللعلم  بأن التاريخ حافل بمثل هذه الأحداث على مدى قرون وسنوات طويلة، ليس في الدول الإسلامية وحسب بل نفس صورة هذا الصراع بالضبط حدث في أوروبا المسيحية بين عامي 1618م إلى 1648م بين المعسكر الكاثوليكي ومعسكر البروتستانت فيما يعرف بـ "حرب الثلاثين عام"، وكان قبلها وبعدها حروب باردة وكلامية، ودائما أبواق رجال الدين في المقدمة لاستنهاض العامة، وهذا ما يحدث حاليا بين السعودية وايران الإسلاميتين،  وللأسف لا معتبر.

وحتى لا نحيد عن لب الموضوع وهو الشتائم من بعض الأخوة السعوديين ضد السلطنة بسبب مواقفها السياسية من "عاصفة الحزم" و"الاتفاق النووي" والعلاقات مع إيران، فتتلخص تلك التعليقات في التالي:

-تعليقات تقحم المذهب الإباضي في الموضوع، وبأن الإباضية مذهب متفرع من الشيعة: في حين أن نفس الشخوص كانوا يتهمون الإباضية بأنهم من فرق الخوارج!!، مع العلم بأن هناك أمور متباعدة بين الشيعة والخوارج، فضلا على أن المذهب الإباضي يختلف تماما عن فرق الخوارج والشيعة. ويكفي أن نعلم بأن سلطنة عمان شعبا وحكومة هي عبارة عن خليط من مذاهب متعددة، فمنهم الشافعية والحنابلة والإباضية والمالكية والأحناف والشيعة والصوفية. فالأمر لا علاقة له بمذهب أو دين وغيره وإنما بنمط سياسة حكومية مستسقاة من طبيعة المجتمع العماني.

-تعليقات تتهم السلطنة بالتخلي عن دول الخليج في وقت الحرب: وهذه تعليقات تنم عن سطحية قائليها، فالدول المشاركة في عاصفة الحزم هي في حالة "هجوم" وليس "دفاع"، أي أنها هي من تهاجم ميلشيات الحوثيين في اليمن وليس العكس، بغض النظر عن سلوك الحوثيين وأعمالهم في اليمن فهذا شأن يخص شعب اليمن وهو أمر معقد لا يسع ذكره هنا، والأمر الأهم في هذا أن اليمن ليست من دول مجلس التعاون الخليجي بالتالي لا تخضع للاتفاقيات العسكرية التي تندرج تحت مجلس التعاون، وهذه حجة قانونية وعقلانية للسلطنة في عدم مشاركتها المباشرة في العملية، ولو كان الموضوع يخص دولة خليجية فالتاريخ يقول بأن السلطنة كانت ضمن طلائع القوات البرية المحررة لدولة الكويت إبان غزو العراق لها كون الكويت دولة عضو في المجلس وفي قوات درع الجزيرة المخصص لحماية دول الخليج، ولو سأل الشاتم للسلطنة نفسه سؤلا بسيطا: لماذا لم تشارك دول "عاصفة الحزم" تحت إطار "درع الجزيرة" طالما أنه أُنشأ من أجل حمايتها؟؟!!

-تعليقات تنتقد السلطنة بإقامتها علاقات اقتصادية وعسكرية مع إيران: وأقول "حدّث العاقل بما يُعقل"، فكيف لدولة أن تتجاهل دولة كإيران؟! كيف لعمان أن تتجاهل جارتها الإيرانية التي تشترك معها بحدود بحرية وعلى بعد كيلومترات قليلة بين البر العماني والبر الإيراني من جهة محافظة مسندم، وتشترك معها في أهم مضيق تجاري نفطي في العالم وهو مضيق هرمز، عوضا عن المشتركات التاريخية، بجانب أن ايران سوق اقتصادية وصناعية قوية رغم سنوات من الحصار الاقتصادي عليها، وقوة عسكرية لا يمكن مقارنتها بأي دولة خليجية بل بدول الخليج مجتمعة، فكيف تطلب من عمان أن تتجاهلها؟! والمضحك أن أغلب تلك التعليقات الرافضة لعلاقة السلطنة بإيران تربط الموضوع أيضا بالمذهبية والقومية، فيقول لك: لماذا تقيم علاقات تجارية مع دولة صفوية شيعية مجوسية؟! وكأن الصين واليابان وأمريكا والبرازيل وروسيا التي ترتبط مع دولهم بعلاقات شاملة هي دول إسلامية!!

وهناك الكثير من المغردين الخليجين الغير منصفين لموقف السلطنة وتأخذهم العاطفة والمذهبية والقومية في التشفي من السلطنة بإلقاء التهم والسب والشتائم، ولو تجردوا من تلك العواطف التي تصنّع في معامل الساسة وتوزع في علب دينية لتفهموا موقف السلطنة العقلاني. والسلام عليكم.






هناك تعليق واحد:

  1. عندما تهدأ العاصفة ويسكن الغبارسيكتشفون كم كانوا حمقى واغبياء في تطاولهم علينا وعلى موقفنا من الحرب في اليمن وغيرها من حروب .. وان فقدنا الرعاع منهم وانصاف المتعلمين فأننا بلاشك كسبنا العقلاء والحكماء ليس في المنطقة بل العالم اجمع .

    ردحذف