الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

عن "الأسطورة".. جاعد بن خميس


إحدى الروايات المتداولة تفيد بأن أهل القرية اشتكوا عند الشيخ من الفئران فقرأ في سره وجاءت طوابير لتنتحر أمامه!

بفضل جدي "حمد" تخرجت من الثانوية العامة وأنا مؤمن تماما بالخوارق الفردية التي يمنحها الله لمن أوتي من العلم الغزير مثل الشيخ جاعد بن خميس ، على مر مراحل طفولتي كان جدي حمد يشحن عقلي الباطن بقصص أسطورية عن العالم الرباني جاعد بن خميس، أسماها "كرامات".

حدثني الشايب مرة فيما أذكر أن جاعد قد استسقاه الناس في الحج بعد أن بلغ بهم العطش مبلغه، فما كان منه إلا أن جاء بهم بفلج الغنتق من نزوى إلى مكة، فارتوا منه، فلما عادوا إلى بلدهم أخبرهم البيدار بأن الفلج أختفى يوم عرفة وعاد في اليوم الثاني فضحكوا وأخبروه بالقصة!

وفيما أخبرني به الجد حمد بأن جاعدا قد تساءل عن حصاة كبيرة لا يزعزعها عشرات الرجال قد اختفت، فلما سأل عنها أخبره ابنه بأنه هو من حولها عن مكانه فرأى فيه الفساد، فلما اخبره بموقعها أماط الشيخ عن عمامته وضرب بها الحصاة فانفلقت جزئيين ورمى بعمامته في وسطها وقال لأبنه اذهب واجلبها فلما استقر في نواتها أمر الحصاة بأن تلتأم بين جزاءيها وابنها في وسطها.

ومما حدثني أيضا أن أهل قرية اشتكوا للشيخ جاعد فئرانا تخرب بيوتهم، فأشترط عليهم أن لا يضحكوا، فقرأ بسره وإذا بالفئران طوابير تحمل معها شفرات حادة، كُلاً ينتظر دوره في ساحة الموت أمام الشيخ، فمن يأتي دوره يقوم بنحر نفسه بعد أن يتقلب على الشفرة، حتى أتى فأر أعمى يمسك بذيل فأر أعور، فضحك الناس وانفض جمع الفئران!

بعد مرحلة الثانوية والتحاقي بمؤسسة جامعية حكيت لأحد الطلبة الوشكين على التخرج من كلية التربية آنذاك عن قصص الشيخ جاعد بن خميس، فضحك مندهشا من غرابة القصص، وضحكت أنا أيضا مستغربا من عدم معرفة هذا الذي سيصبح معلما بعد أشهر قليلة فقط عن الشيخ الكبير ابن خميس، فباغتني بسؤال

: كيف عرفت هذه القصص؟
أنا: أخبرني جدي حمد
هو: وكيف عرف جدك عنها؟!
أنا: لا أعلم ولكن ربما سمعها عمن قبله!
هو: هل جدك ممن  يقرأ ويكتب؟
أنا: لا.. 

استمر الحوار وغرس الزميل بذرة شك في رأسي حول مصداقية القصص التي رواها جدي، ذهب الزميل وبقيت الأسئلة تلف وتدور.  

كثيرة هي القصص التي كان يرويها جدي عن الشيخ جاعد رغم أنه لم يعاصره كما لم يلتقي بمن عاصره، كما أنه لم يكن يقرأ، إذن ما رواه عبارة عن روايات متناقلة، شاب عن شايب، وربما طالتها الوصوف الزائدة كنتيجة محتملة في الروايات الشفوية. علمت لاحقا بأن بعض من تلك القصص قد ورد ذكرها في بعض الكتب تحت بند "الكرامات ".

على مر سنوات كثيرة ، سمعت وقرأت عن الكثير مما يطلق عليها "كرامات الصالحين"، ليس لجاعد فقط بل لعدد كبير من الأئمة وعلماء الدين القدامى ، وليس في عمان وحسب بل هي قصص تتداول في أغلب الدول العربية، وتكاد تتشابه وتلتقي في الظروف المحيطة بنشأتها.

وللعلم، بأن تاريخ بعض البلدان الأوربية قائم جزء كبير منه على الأساطير المتوارثة جيل بعد جيل، مثل اليونان، فالأساطير في تاريخها العريق جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة، ويكفي أن نذكر أسطورة "القنطور" أو الإنسان الفرس عند اليونانيين.

أدرك تماما بأن هناك من يؤمن بتلك القصص وأشباهها كما كنت أؤمن بها في مرحلة الثانوية، ولهم كل الاحترام والتقدير، ولكن حسب ما اتضح لي بأن ما تلك إلا "أساطير" ألحقت بشخصيات دينية، وساعدت الظروف آنذاك على تداول مثل تلك الأساطير نتيجة لانتشار الجهل المتزامن مع التبجيل "الزائد" للشخصيات الدينية.

وفي جميع الأحوال، أصبحت تلك القصص الأسطورية جزء من الموروث الثقافي للمجتمع، ومن الخطأ أن يتم تجاهله، فأقترح بأن يوثق بشرط أن يُشار إليه بأنه من "الأساطير الموروثة"، ولا يعني بالضرورة أنها صحيحة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق