جلالة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد سلطان عمان والملك عبدالله ملك السعودية |
بقلم: جمانة فرحات
اجتازت الدول الخليجية الخلاف حول "الاتحاد الخليجي" ولو مؤقتاً بتأجيلها مناقشة هذا الملف الشائك نتيجة عدم التوافق حوله، بعد اعلان صريح من سلطنة عمان رفض الفكرة وتهديد وزير الخارجية، يوسف بن علوي، بانسحاب السلطنة من مجلس دول التعاون الخليجي اذا ما تم اتخاذ قرار المضي قدماُ بالخطوة.
موقف عُمان أثار ردود فعل متباينة بين من أيّد موقف السلطنة وبين من انتقدها. ينقسم المنتقدون إلى فئتين أساسييتين، الأولى "تحلم بأن يبصر الاتحاد النور"، وترى فيه بمثابة نقلة نوعية في علاقات الدول الخليجية ستأتي بفائدة على الجميع.
انتقاد هذه الفئة للسلطنة يأتي من باب أن موقفها الجازم برفض الاتحاد يؤخر تحقيقه وأنه عوضاً عن رفضها المطلق للأمر كان الأنسب ان تقوم بتحديد هواجسها لبحث كيفية تذليلها وعدم تفويت هذه الفرصة.
أما الفئة الثانية، فجاء انتقادها من باب سياسي بحت، وذهب البعض في تحليلاته إلى اعتبار عمان تنوب عن إيران في رفض الاتحاد.
وهو ما انعكس في الحملة الاعلامية التي قادتها الصحف السعودية ضد سلطنة عمان وصولاً إلى اتهامها تلميحاً بالـ"جحود" تجاه مجلس التعاون الخليجي الذي دعمها مالياً في السنوات السابقة.
وبين هذه وذاك يبقى السؤال الأهم، هل أخطأت السلطنة؟ على الأرجح لم تخطئ، بل على العكس من ذلك قد يكون قرارها هو الأكثر صواباً على الاطلاق.
قبل كل شيء يكفي الاستماع إلى مواقف أطلقها عدد من المحللين الخليجيين وتحديداً في الكويت للتأكد أن الرفض ليس فقط مرتبط بسلطنة عمان بل هي كانت فقط الأعلى صوتاً بين الدول الخليجية في اعلان موقفها بصراحة.
الكويت مثلاً رغم رفض الكثيرين فيها للاتحاد، إلا أنها بصفتها مستضيفة للقمة الخليجية كانت حريصة على لعب دور توفيقي، فيما دول أخرى على غرار الامارات وقطر لا تريد الوقوف في وجه السعودية، صاحبة فكرة الاتحاد بالرغم من عدم الحماس لاقتراح المملكة.
وتخشى غالبية هذه الدول، باستثناء البحرين طبعاً، رغبة سعودية في الهيمنة على القرار الخليجي برمته، وخصوصاً بعد الأحداث العربية التي أظهرت أن هناك من هو قادر على الساحة الخليجية على منافسة دور المملكة عربياً بشكل أو بآخر.
لكن الهواجس لا تتوقف هنا، غالبية هذه الدول تخشى الجموح السعودي، وخصوصاً أن الاتحاد لن يقتصر على اتحاد سياسي بل سيتضمن أيضاً شقاً أمنياً. وما تجربة درع الجزيرة الذي زجّ به في البحرين بقرار سعودي سوى خير دليل على ذلك.
هكذا من الواضح أن المسألة ليست حصراً مرتبطة بموقف سياسي للسطنة من خلال الغمز من علاقتها الوطيدة مع إيران. ففي ذلك ما يكفي من الخفة والرغبة في القفز على أهمية الغوص في جوهر ما ينطوي عليه من تحديات سياسية وأمنية ستجد الدول الخليجية مضطرة إلى ادخال نفسها فيها بينما هي قد تكون في غنى عنها، وخصوصاً في ظل تخبط السياسة الخارجية السعودية واعتمادها في كثير من الأحيان على مبدأ الشخصنة.
ولذلك، فإن الطرف الراغب في تحويل الاتحاد من مجرد اقتراح إلى واقع، أي السعودية، تلقى على عاتقه مهمة أن يحاول إقناع الخليجيين بمن فيهم السلطنة بأسباب جوهرية توجب الانتقال من صيغة دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد، وأن الأمر لا يتعلق فقط بمواجهة ايران أو برغبة سعودية في فرض هيمنتها على القرار السياسي للدول الخليجية.
والأهم أن ما يجري تجاهله هو ان نجاح أي اتحاد يتطلب وجود مقومات ليس فقط جغرافية او اقتصادية بل كذلك سياسية من خلال تبني الدول نظم سياسية متقارية.
وهنا تحديداً، الطمأنة السعودية يجب ألا تقتصر على التصريحات الشفهية بل هي تتطلب أفعالاً، تبدأ أقله بابداء السعودية استعدادها لتقديم تنازلات تقرّبها من باقي الدول الخليجية.
وهنا تحديداً، الطمأنة السعودية يجب ألا تقتصر على التصريحات الشفهية بل هي تتطلب أفعالاً، تبدأ أقله بابداء السعودية استعدادها لتقديم تنازلات تقرّبها من باقي الدول الخليجية.
صحيح أن باقي الدول الخليجية ليست منارة للحريات والحقوق ولا يزال يحاكم ويسجن فيها مواطنون لمجرد ابداء رأي سياسي، إلا ان السعودية تكاد تكون فيها الحقوق السياسية منعدمة في ظل غياب اي مؤسسات رسمية منتخبة من الشعب باستثناء الانتخابات البلدية على عكس دول خليجية أخرى تعد فيها الحياة السياسية أكثر تقدماً. وهو ما يوجب على السعودية إن كانت فعلاً تريد للاتحاد أن يبصر النور وأن يكون كشراكة بين الدول الخليجية وليس تحويلها إلى مجرد تابع لها أن تمهد لذلك عبر سلسلة من الاجراءات القانونية لتعكس في طياتها ارادة سياسية حقيقية بذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق