الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

مبررات الرفض العُماني للاتحاد الخليجي.. مقال للكاتب محمد الشحري


مبررات الرفض العُماني للاتحاد الخليجي

mouhamad alshahri ok

محمد الشحري

أثارت التصريحات التي ألقاها السيد يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية، في حوار المنامة، حول رفض السلطنة الانضمام إلى الاتحاد الخليجي الذي تبنته المملكة العربية السعودية منذ سنتين، أثارت التصريحات ردود أفعال محلية وإقليمية، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وفي البرامج الحوارية على القنوات الفضائية، وربما يرمي بظلاله على قمة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في الكويت، وإذا كان موقف السلطنة الرافض للاتحادليس جديدا حيث أعلنت مسقط قبل سنتين رفضها الانضمام له، فإن الجديد هو الرد السريع من المسؤول العماني على الوزير السعودي بعد إلقاء الأخير كلمته، مما يعني أن الموضوع قد شبع نقاشات واعتراضات في الاجتماعات المغلقة سواء بين الدول الخليجية الست أو بين الطرفين العماني والسعودي، المعنيان بالمعارضة والتأييد للاتحاد، وهذه ليست المرة الأولى التي ترفض فيها السلطنة الدخول في اتفاقيات المجلس، إذ امتنعت مسقط عن الانضمام إلى اتفاقية العملة الخليجية الموحدة، قبل أن تلحق بها الامارات احتجاجا على اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي، كما رفضت السلطنة مع السعودية الانضمام إلى مبادرة اسطنبول القائمة على التعاون الأمني والعسكري مع حلف الناتو التي انضمت لها أربع دول خليجية، هذا إضافة إلى العديد من المواقف المنفردة التي تتخذها السلطنة والتي تخالف فيها أراء بقية الدول الخليجية، منها ابقاء السلطنة على علاقاتها مع مصر رغم قطع الدول العربية علاقاتها مع القاهرة احتجاجا على اتفاقية كامب ديفيد و تعليق عضوية مصر من سنة 1979 إلى 1989، وسحب مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، كما حافظت عُمان على علاقاتها مع إيران بعد الثورة الاسلامية، كما ابقت على علاقاتها مع العراق بعد حرب الخليج الثانية، وفي الأزمة السورية الأخيرة لم تغلق عُمان سفارتها في دمشق كما لاتزال  السفارة السورية مفتوحة لرعاياها في مسقط إلى حد هذه اللحظة، لذلك فإن المتابع للسياسة العمانية يرى اتسامها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحتفاظها بعلاقات جيدة مع الجميع، لكن هذا الكلام قد لا يقنع الكثير من المتابعين للشأن الخليجي، إذيفسر بعض المحللين  الموقف العماني الرافض للاتحاد إلى اسباب عدة منها رفض مجلس التعاون الخليجي منذ انشائه 1981للعديد من المقترحات التي تقدم بها السلطان قابوس لقادة المجلس ومنها على سبيل الذكر، انشاء جيش خليجي مشترك تحت لواء درع الجزيرة قوامه 100الف جندي،ولكن السبب الحقيقي الذي منع السلطنة من الموافقة على الاتحاد الخليجي، هو تفسيرها بأن دواعي قيام الاتحاد ليست لمصلحة الشعوب الخليجية التي انتظرت من المجلس تكامل على كافة المستويات، وخيّب المجلس آمال المواطن الخليجي، الذي يجد نفسه احيانا معلقا بين الحدود بسبب خارطة على بطاقته المدنية، كما حدث بين الامارات والسعودية التي اعترضت على شكل الخارطة على الهوية الاماراتية في العام 2009.

وقد فُسّر تصريح السيد يوسف بن علوي بانه “لا ينبغي أن ندخل في صراعات لا مع القريب ولا البعيد ، ولا يمكن أن نعود للقرن الماضي، وينبغي علينا أن ننأى بمنطقتنا من الصراعات الدولية والاقليمية،… مع احترامنا لكل وجهات النظر داخل وخارج مجلس التعاون بشأن مستقبل المنطقة، إلا أننا نعتقد أن القوة لا تعني بالضرورة أن يتعسكر الناس من أجل الدخول في صراعات أو مواجهة صراعات”.

فسر حديث بن علوي بأن الهدف من قيام الاتحاد الخليجي سيكون لمواجهة إيران وربما يتطور إلى صراع عسكري، بعد أن فشل مجلس التعاون الخليجي في تحقيق الهدف الحقيقي من قيام المجلس في منع تصدير الثورة الايرانية إلى الضفة الأخرى من الخليج، والتي كلفت المجلس مليارات الدولارات وتمويل حرب الخليج الأولى،وصفقات اسلحة بمليارات الدولارات، وعبارة الوزير العماني التي وردت في تصريحه لا يمكن أن نعود للقرن الماضي تُفهم على أساس الحرب مع إيران، والتي وإن أخرتها حرب الخليج عن استعادة دورها الاقليمي في المنطقة كما كانت في عهد الشاه إلا أنها لم تمنعها من سعيها لامتلاك الطاقة النووية، والدخول في مفاوضات تحققت أخيرا باتفاقية بين طهران والدول الاوروبية، كانت عُمان ساحة لمفاوضات سرية بين ايران والولايات المتحدة، وهو الأمر الذي انزعجت منه الرياض التي تماهت مع الطرف الاسرائيلي في توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الايرانية.

أما عن الرأي العام العُماني فمن خلال مواقع التواصل الاجتماعي يجد المتابع اجماع شعبي على الموقف الذي اتخذته السلطنة من الاتحاد الخليجي، وإن دل هذا الموقف على شيء فإنه يدل على قناعة المواطن العُماني بالسياسة الخارجية للسلطنة، ورغبة الشعب العُماني في النأي بالنفس عن الدخول في الصراع الطائفي والمذهبي، الذي كرسته بعض الأنظمة الخليجية ودعمته إعلاميا عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما عجزت بعض المؤسسات الدينية الخليجية من تصديره إلى الداخل العُماني، إذ لم تخترق فتاوي بعض المشايخ من دول الجوار جدار التسامح العُماني رغم التنوع المذهبي من سنة وإباضية وشيعة، حيث تقف الدولة العمانية على مسافة من كل المذاهب التي وصلتها عصا الدولة في أكثر من مناسبة، حيث اعتقلت جماعة من الشيعة الشيرازية في ديسمبر 1987، وحكمت محكمة أمن الدولة على 18 شخصا منهم بأحكام تراوحت بين السنتين وثماني سنين بتهمة التخابر مع جهات خارجية لقلب نظام الحكم، وفي العام 1994 اعتقل ما يقارب 126 شخصا من تنظيم الاخوان المسلمون وصدر في حقهم أحكام محكمة أمن الدولة تراوحت بين الإعدام للعسكريين منهم والمؤبد والسجن للمدنيين من 3إلى 20 سنة، وقد عفا عنهم السلطان قابوس في العام 1995، وفي العام 2005 القي القبض على حوالي 30متهم بإنشاء تنظيم سري آباضي وبالتحضير لقلب نظام الحكم القائم في البلاد بقوة السلاح بقصد إقامة حكم الإمامة بدلا منه، وحكم على 6منهم بالسجن 20عاما، وحكمت على 12متهما بالسجن 10 سنين، وحكم سنة على متهم واحد، وقد صدر في حقهم لاحقا عفو سلطاني بعد أشهر من سجنهم، لذلك نجد أن الدولة العمانية حافظت على نسيجها الاجتماعي والثقافي، وهي بذلك تعتبر منفردة في قراراتها وسياساتها تجاه الاطراف الاقليمية والدولية.

كاتب عُماني 

 

(المقال منشور بصحيفة "رأي اليوم" بتاريخ 10/ديسمبر2013)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق